((كنت قد نشرت رسالة:(وجوب التعلّم والتعليم في الإسلام وعدم جواز التقليد), فطبعت في جزء صغير ونشرت, ثم ردّ عليها بعض معممي قمّ ومنهم (آية الله ناصر مكارم الشيرازي)(1) مدير مدرسة الإمام بقم.
فكتبت إليه إجابة مختصرة على اعتراضه في ورقة واحدة فقط, وأرسلتها وطلبت الجواب, ومع أن ردّي كان مختصرا إلا أنه خشي أن أطبعه فلجأ(ناصر مكارم) إلى مدير الشرطة في طهران فاتصل بي وقال: (لا يحق لك أن تطبع الورقة التي أرسلتها إلى قم), فقلت: بل لي الحق أن أدافع عما أعتقد, فقال: ليس لك حق, فعلمت أن الأساتذة في غاية العجز عن الإجابة, فلذا لجئوا إلى القوة.
وهنا أنقل للقارئ ما جاء في هذه الورقة, وإن كان هذا الباب يحتاج إلى كلام كثير.
الإجابة على اعتراض (ناصر مكارم الشيرازي)
بسم الله الرحمن الرحيم.
قد اطلعت على جزء من نشرات مدرسة الإمام بقم, وقد كتب فيه بعض المطالب, فرأيت من اللازم أن أشير إلى ضعف بعض ما جاء فيه وإن كانت جميع مطالبه ضعيفة, فأسأل الله تعالى أن ينجي بلادنا من شر الغلاة والمداحين والكتاب الخرافيين.
1- جاءت إحدى الفقرات تحت عنوان:(القرآن والسنة).
مع أن هذا الجزء لا يوجد فيه شيء من القرآن, إضافة إلى أن الكاتب قال: يقول البعض:"إن القرآن هو المصدر المعتمد فقط في هذا العصر" مع أن هذه تهمة محضة لأنه لم يقل أحد بهذا القول, والعامة والخاصة يرون أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه مقبولة, ويرون أنها حجة, وحتى الذين يقولون بأن القرآن كاف لأمة محمد صلى الله عليه وسلم, يقولون: أحاديث السنة حجة, لأن القرآن أثبت أنها حجة, كما أنه أثبت أن القواعد العقلية حجة, فالحديث مقبول معتمد.
2- تحدثتم في إحدى الفقرات عن ضرورة توضيح مكائد المنافقين, ثمّ أشرتم إلى أهمية الارتقاء بمستوى الناس في علمهم بدينهم.
وأقول في الجواب:
أنتم وكبار المراجع تسلكون عكس ذلك في أجوبتكم, فآية الله شريعتمداري ومثله آية الله خونساري, بدلا من مناقشة السيد البرقعي ـ وهو يدعوهم منذ عشر سنوات للمناقشة ـ نراهم يذهبون إلى مدير الشرطة, ويستعدون الحكومة ويحثونهم على حبسي والتنكيل بي, حتى أخذوا مسجدي ثم أنتم بعدهم رأيتم تقليد هؤلاء أمر ضروري, فهل هذا معنى تطوير علوم الناس؟! هل يمكن تطوير أفكار الناس مع الإلزام بالتقليد أو القمع والحبس والبهتان؟!
3- في حديثكم عن التقليد أوردتم دليلا عليلا لإثبات التقليد الذي لا ينطلي إلا على العوام, وهذا الدليل هو قولكم: (يجب الرجوع إلى المختص في العلوم الكفائية) ثم مثلتم بالطبيب وقلتم:(إن الطبيب الواحد يكفي لمنطقة في الرجوع إليه) وأنا أقولك إن العلم بالدين وجب عيني وليس كفائياً, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)(1) فينبغي لكل مسلم أن يكون عالما بأصول دينه وفروعه, لا أن يرجع إلى آخر.
ثانياً: الرجوع إلى المتخصص يكون إذا رأينا أثار نجاحه في تخصصه, فالدكتور ـ على سبيل المثال ـ عندما يكون متخصصا في العيون سنحكم بالرجوع إليه إذا رأينا نجاحه في العلاج الذي يقدمه للناس, ولكن إذا عميت عيون كثيرة بسبب علاجه, فإننا سنجزم بأنه كذاب.
وثالثاً: كثير من هؤلاء الفقهاء المتخصصين كانوا ولا يزالوا من المخربين للإسلام, وسبباً لتشويه صورته عبر الأيام, فقد أحدثوا أحكاماً تضاد القرآن والسنة, واخترعوا شعائر محدثة تحت ستار المذهب, وأقل سوئهم أنهم صوّبوها بالسكوت عنها, كما اخترعوا في هذا الدين خرافات وأوهاما خطيرة, وأنتم تحفظون دعائم تلك الخرافات بترسيخكم "تقليد المراجع", ألا تعلمون كم في مذهبنا من الأحكام التي تخالف ما أنزل الله؟! إن لم تكونوا تعلمون فاسألونا لنبين لكم.
4- بخصوص التقليد, استدللتم بقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)النحل آية 43, هل المراد: اسألوا لتتعلموا أو لتقلدوا؟}1{ والسؤال: لمَ لم تتضح هذه الحقائق لكم؟! ألا يوجد في قم رجل يعرف معاني القرآن, أم هم موجودون ولكنهم يكتمون الحقائق, ألا يوجد عالم واحد يناقش هذه الآراء التي طرحتها بدلا من أن يلجأ إلى اتهام مخالفه بأنه مغرض ومنافق ويرميه بقلة العلم وغيرها من التهم؟! أبهذه الطريقة ترتقون بأفهام الناس وعقولهم؟!
إن الله جل وعلا يشهد أنني قصدت إيقاظكم وتبصير أمثالكم إلى الحق, وأن أرد هجوم الظلمة عني, وأنا بانتظار أي جواب منكم.
فإن كان لديكم إشكال أو شبهة على ما ذكرت فنبهونا وبصّرونا, والمؤمل أن تجيبوا على هذه الورقة, فإن لم تجيبوا فليس أمامي إلا طباعتها ليحكم الناس العقلاء بأنفسهم.
وأحذر أن يكون ما تكتبه يدك سبباً للوبال والوزر والعقاب يوم القيامة, فاكتبوا الحق وإلا فتنحوا عن هذا الأمر, ولا تجعلوا الدين سبباً للرزق. والسلام.
العنوان: شاهبور/زقاق وزير دفتر عند المسجد/ العلامة البرقعي.
ـــــــــــــــ
(1)هذه الآية الوردة في سورة النحل آية 43 ومثلها الواردة في الآية السابعة من سورة الأنبياء, وللأسف فإن السادة يستدلون بهذه الآية ويتركون صدر الآية الشريفة وهي: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" النحل آية 43, وحقيقة الأمر: أن الآية لا علاقة لها بقضية التقليد, بل المراد أن الله تعالى يقول: أنتم تعلمون أن الأنبياء كانوا دائما من الرجال الذي يوحى إليهم فاسألوا أهل الكتاب حتى تطلعوا على هذه المسألة, وتطمئنوا على صحة ما ذكرنا.
وليس المراد أن نقلد أهل الكتاب, فالمقصود من السؤال التعلم, لاسيما وأن التقليد لا يوجب العلم والمعرفة.
كما أن الله قد حث الناس على التفكر والتعرف في الآية التي بعدها, ومعلوم أن التفكر والتقليد لا يجتمعان. وجدير بالذكر أن الآية الكريمة في سورة الشورى ليست فيها لفظة"مِن". (البرقعي) ))
سوانح الأيام ص114-ص117
ــــــــــــــــــــــ
(1) رواه الكليني في الكافي/كتاب فضل العلم/باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه)
ورواه المفيد في الأمالي بلفظ:((محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ع عن جده قال: قال رسول الله ص العالم بين الجهال كالحي بين الأموات و إن طالب العلم ليستغفر له كل شي ء حتى حيتان البحر و هوام الأرض و سباع البر و أنعامه فاطلبوا العلم فإنه السبب بينكم و بين الله عز و جل و إن طلب العلم فريضة على كل مسلم))
وأخرجه الطوسي في أماليه بلفظ: (عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب )عليهم السلام(، قال سمعت رسول الله )صلى الله عليه و آله( يقول طلب العلم فريضة على كل مسلم. الحديث)