((في تلك الأيام كانت عادة أهل المنابر إذا أرادوا أن يجذبوا الناس على خطبهم أن يتكلموا في موضوع الولاية ثّم يطعنون في ويسبونني.. عما بأن هؤلاء الخطباء لم يكونوا يعلمون ما هي الولاية.
أذكر أنني أردت شخصا فذهبت إليه في سوق الحدادين في طهران فلم أجده, فأخذت ابحث عن مكان أقف فيه لعلّه يمر منه, فرأيت في أحد الأزقة راية منصوبة للدلالة على مكان حسينية فرأيت من المناسب أن أجلس فيها وأستمع للموعظة حتى يأتي صاحب المحل ويفتح معرضه, وفي مجلس العزاء شاهدت شخصا على المنبر اسمه(عماد زاده) كان يتحدث عن (البرقعي؟) بأنه ينكر الله والرسول ويتنكر لجده الإمام, وفيه كذا وكذا... وأخذ يتحدث عني نصف ساعة كلها تهم وقول باطل, وأنا أسمع.
الحقيقة أنني وقتها تلفت حولي لأرى هل في المجلس من يعرفني؟ مخافة أن أتعرض بعد كلامه للضرب والإهانة, فلم أر أحدا أعرفه أو يعرفني ففرحت.
وعندما نزل الخطيب عن المنبر وأراد الخروج من المجلس لحقته حتى خرج في الزقاق وقلت له: طيب الله أنفاسكم, ثم قلت: يا سيد هل لقيت البرقعي شخصيا؟
قال: لا
قلت فمن أين عرفت هذه التهم؟ وما هو الدليل على أنه ضال منحرف؟
فقال: أنا أنقل ما قال (آية الله الميلاني).
فقلت: ينبغي للميلاني أن يفتي في الفروع ومسائل المذهب وليس في الطعن في نوايا الأشخاص:
أولاً: لأن الله هو العالم بالشخص الخبيث من الطيب.
ثانيا: لأنك واعظ وتقرأ وتكتب, فكان ألحسن ألا تذم البرقعي دون أن تقرأ شيئا من كتبه, لعلك ترى عنده جانبا طيبا, كما ينبغي ألا تقلدوا في الحكم على الأشخاص.
فقال: نعم .. أنا لم أقرأ له أي كتاب.
وكان لدي كتاب صغير حول (دعبل)(1) وهو اسم الشاعر الذي أنشد قصيدة في مدح الإمام الرضا عليه السلام, وكنت قد ترجمت في الكتاب قصيدته وشرحتها وطبعتها, فقلت: عندي كتاب للبرقعي, فهل أعطيكم إياه لتطالعوه ثم تعطوني رأيكم في الكتاب بالهاتف؟! فقبل وأخذ الكتاب وأعطاني رقم هاتفه ثم تفرقنا.
وبعد أيام اتصلت به هاتفيا وسألته: قرأت (كتاب دعبل)؟ قال: نعم, فقلت: ما رأيكم فيه؟ قال: كلام حسن وهو رجلٌ مؤمن وعالم وأديب, قلت فلماذا إذن أسأت القول فيه؟ قال: في الحقيقة أنا مخطئ.
قلت: فأنت مسئول بأن تعتذر منه, قال: حسناً, قلت: فاعلم أن السيد الذي وقف معك في الزقاق وأهداك (كتاب دعبل) هو البرقعي نفسه, فقال: اجعلني في حلّ, قلت: لا أجعلك في حلّ لأنك أسأت القول على المنبر, وعليك أن تذهب إلى المنبر وتخبر الذين استمعوا لك أنك أخطأت حتى أجعلك في حل.
وهناك شيخ آخر اسمه (أحمد كافي) كان صاحب أناشيد وصوت حسن, وكان العوام يحبون مواعظه, وقد أعطاني أحدهم يوماً شريطا له وهو يخطب على المنبر أمام المستمعين, وكان مما يقول:
"يا الله بحق الإمام الحسين اجتث البرقعي" والناس يؤمنون بصوت واحد!
وسبحان ربي فقد رجع دعاؤه عليه, فما لبث أن مات بعدها على طريق مشهد في حادث السيارة.
وكنت أسير يوما في شارع جمال زاده فصادفني سيد طويل وعليه ثياب الروحانيين وسلم عليّ, ثم جرى بيني وبينه الحوار عن البرقعي(وهو لا يعرفني), وقال: أنتم لا تعرفون حقيقة هذا الرجل, هل تعلم أنه يصرف له ثمانون ألف تومان من السعودية؟! وأنه يصرف لطلابه ستة عشر ألف تومان؟! فقلت له: هل لديك دليل على هذا القول؟ فقال: نعم, أو راقه موجودة عندي!
وعلى كل حال وصل الأمر بنا على هذه الحال, فقد اتحد عليّ أصحاب المنابر والأناشيد وغيرهم ممن لا خير فيهم مع أنهم قلّما يتحدون على أمر, فكلهم اجتمعوا على اتهامي وسبي ولعني في كل محفل, علماً بأن أكثرهم لا يعرف شيئا مما قلت.. ومع أني كلما كتبت شيئا أبين أني مستعد لمناقشة كل من لديه إشكال, وأنا جاهز للحوار مع من يكتب لي رأيه بالدليل.. ولكنهم لم يكتبوا إلا ما يجلب المال.
يمكنني القول بأنهم كتبوا في الرد على العقائد التي وضحتها حوالي مائة كتاب, وقد طالعت أكثرها فلم أجد فيها شيئا يستحق النظر والتأمل إلا الفحش والإساءة, والتهم والافتراءات, والمغالطات المضحكة, وبعض التأويلات الفاسدة والحيل الإسرائيلية, والاعتراضات الهشة, ولم أجد واحدا منهم نقل كلاما لي ثم ردّه مع الأدلة, فما هي إلا فحش وتكفير واتهام باطل.))
سوانح الأيام ص86-89
ــــــــــــــــــــ
(1) أبو علي دعبل بن علي بن رزين الخزاعي الكوفي الشاعر, من كبار شعراء الدولة العباسية, كان غاليا في الرفض, هجاءا, قال ابن خلكان: "كان شاعراً مجيداً، إلا أنه كان بذي اللسان مولعاً بالهجو والحط من أقدار الناس، وهجا الخلفاء فمن دونهم" , هجا المعتصم العباسي فأهدر دمه، فهرب إلى طوس وقُتل صبراً سنة 220 هـ انظر ترجمته في/ البداية والنهاية- المنتظم – وفيات الأعيان – تاريخ الإسلام – تاريخ بغداد – لسان الميزان – معجم الأدباء – الشعر والشعراء.