((كنت في بعض أيام الصيف أسافر للدعوة في المدن المختلفة, وعندما ألقي الدروس والخطب في المساجد وعلى المنابر, أركز على توضيح العقائد الصحيحة, وكشف العقائد الباطلة, وبيان ذلك للعوام, وكنت كلما ألفت كتابا يعاديني أصحاب (دكاكين الباطل), فعندما ألفت كتاب (عقل ودين) وهو كتاب في الرد على أهل الفلسفة, وبيان مناقضة عقائد الفلسفة للقرآن, لم يعجب المشايخ الذين يروجون للفلسفة اليونانية, وعندما ألفت كتاب (فهرس العقائد الباطلة للشيخية) لم يعجب ذلك الشيخية وأظهروا العداوة لي, ولما ألفت كتاب (الشعر والموسيقى) وبينت مفاسدها, عاداني الشعراء والمداحون الذين يرددون الأشعار في المناسبات الدينية, ولما ألفت كتاب (أحكام القرآن) عاداني العلماء الخرافيون.
في الحقيقة لم أكن أظن أن عامة مشايخ المذهب أهل خرافة, وأنهم بعيدون عن الحقيقة.
وفهمت أخيرا أن جميع المشايخ في سائر المذاهب والأديان هم في الغالب يتخذون من الدين والمذهب طريقا للأعتياش وطلب الرزق, وأنهم يهتمون بالدنيا والمال أكثر من اهتمامهم بالدين, ولهذا نرى غالب أبنائهم غير متدينين, لأنهم رأوا من أبائهم أن التدين إنما هو تصنّع من أجل الدنيا, ولهذا فهم خلف آبائهم سائرون في جعل الدين والمذهب دكانا لهم.
ومما رأيت أن العوام في كل مذهب ودين يتعصبون لكلام مشايخهم وعلمائهم الذين يقتدون بهم, ولا يتأملون المسائل, ولا يفكرون أبدا أنه سيأتي يوم يخالفون فيه شيخهم أو يخطّئونه في تصوره أو رأيه, فضلا عن أن يقع مرجعهم وشيخهم في خلل عقدي, وهذا واقع مؤلم.
ولهذا فإن إخراج أهل أي مذهب من الخرافات والعقائد الباطلة صعب جدا, فالخرق قد اتسع على الراقع.))
سوانح الأيام ص66-ص67