((وأذكر أنني في أحد الأيام ذهبت قبيل رمضان إلى منطقة يقال لها(ورامين) ولم يكن فيها أحد من أهل العلم, وكان فيها مسجد متواضع من طين, لا بساط له إلا التراب, وفيه قطعة حصير بالية, ولم يكن فيه نوافذ توصل الضوء, فجئت إلى المسجد وأقمت فيهم الجماعة, وقدمت بعض الخطب, فجاءني عدة مساكين, فتكلمنا وعلمت منهم بأنهم اعتادوا بأن يأتيهم شخص آخر في رمضان يقال له (السيد مرتضى تنكابني), ولكنه تأخر هذا العام ولم يبق على رمضان إلا يومان, واقترحوا أن أبقى معهم في الفترة القادمة. على كل حال قررت أن أبقى معهم, فلم نلبث إلا بشيخ آخر يقدم على القرية يقال له (سلطان الواعظين), والأجدر أن يسمى (شيطان الواعظين), لأنه عندما جاء على المسجد وصلى بناو صعد المنبر وبدأ يختلق أمورا ليست في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وكان له صوت جميل.
ومن قباحته أنه كان يقول: (إن الكلب ما دام ينبح بصوت عال في العمران فإن الثعلب لا يأتي ناحيتها, وأنا كالكلب ما دمت في هذا المسجد فلن يصعد على هذا المنبر غيري).
العبد الفقير ـ للأسف في أول سفرة لي ـ فاستحييت أن أنازعه, فعزمت على تعليم الناس بعض المسائل على الأرض. وفي اليوم الثاني جاء إلى المسجد شيخ جديد, وكان طويلا يقال له: (قوّام الواعظين الشيرازي), وقد استدعى بعض المسؤولين الرسميين في البلاد ليمكنوه من صعود المنبر, فشب خلاف بينه وبين سلطان الواعظين, وفي اليوم الثالث, جاء شيخ يسمى (محمد رضا الكيلاني ويلقب بالبرهان) وأخذ ينافس هذيت الشيخين على نفس المنبر.
الحقيقة أن ما رأيته غريب جدا, لأن التنافس كان على مسجد يندر فيه المستمعون, ومع ذلك أنظر كيف يتشاجر هؤلاء على المنبر, دون أن يدعوهم الناس, وهذا ما جعلني اصرف النظر تماما عن تقديم شيء في هذا المسجد))
سوانح الأيام ص13- ص14